مرت مملكة البحرين خلال الأحداث الماضية بثورة طائفية بنكهة انقلابية نتج عنها انعدام التوازن في وسط المجتمع البحريني ، فالطائفة السنية لم تكن في الحسبان ، و لم تكن بذاك الثقل الذي يمثل رقماً صعباً على الخارطة السياسية ، ولم يكن لها أي اعتبار في ميزان الحسابات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية بشكل عام في مقابل بروز المد الشيعي الصفوي في هيكل النظام السياسي البحريني وقوة نفوذه في صنع القرار إضافة إلى أنه رقمٌ صعبٌ تجاوزه في العملية السياسية بالبحرين فضلاً عن العملية الاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا ما هو السبب الرئيسي في إضعاف الطائفة السنية سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً ؟ وللإجابة على هذا السؤال فإني أقول : يتصف المجتمع البحريني بأنه مجتمع إسلامي محافظ ، للعلماء و المشايخ فيه احترامهم وتقديرهم ، وكلما قوي العلماء والمشايخ دينياً و سياسياً و اقتصادياً في المجتمع زاد سطوع نجم المجتمع ككل و علا شأن الناس تبعاً ؛ إذ أن هؤلاء العلماء والمشايخ دورهم في المجتمع هو إرشاد الناس وتوجيههم إلى ما فيه خير دينهم ودنياهم وتحذير الناس من كل ما من شأنه أن يمس دينهم ، وبالتالي فقد مثل هؤلاء العلماء والمشايخ من أنفسهم حجر عثرة أمام الكثير من المشاريع التغريبية للمجتمعات الإسلامية ومنها البحرين ، فكان إسقاط هيبة العلماء والمشايخ وإضعاف دورهم هدفٌ رئيس من أهداف كل من يسعى لتدمير المجتمعات الإسلامية وإضعافها .ولما علم البعض أنه لا يمكن أن توقف هذه القوة الدينية التي يمتلكها العلماء والمشايخ إلا بتجفيف منابع تمويلهم وضعوا لهم الشروط والعقبات التي تحول دون حصولهم على هذا التمويل ويكونون بناءً عليه عالةً على الدولة في صرف رواتبهم ودعم أعمالهم الدعوية ، فقالوا : بأن التبرعات التي تأتي أو تخرج من الدولة لا بد أن تعرف الدولة من أين أتت وإلى أين ستخرج وفيم ستصرف ومن يخالف هذا الأمر فإنه يحاسب على ذلك حساباً عسيراً ، ثم قالوا : بأن الأوقاف لا بد أن تديرها الدولة وليس لكم الحق أنتم أيها العلماء والمشايخ بإدارتها وأي أمرٍ تحتاجونه سواء للمساجد أو حلقات القرآن الكريم أو الفقراء والمحتاجين والمرضى أو للتعليم فإنه عليكم تقديم طلب بشأن ذلك ونقوم نحن بتقدير الموضوع إن كان يحتاج إلى دعم فإننا ندعمكم وإلا فلا إضافةً إلى أننا نحن من سيقوم بصرف رواتب المؤذنين والأئمة والخطباء والقضاة وأي شخص يخالف ما تسير عليه الدولة فإنه يُعاقب ولربما قُطع عنه الراتب وفُصل عن العمل ، وبالتالي فقد الكثير من العلماء والمشايخ مصدر التمويل الذي من خلاله كان المجتمع قوياً ومتماسكاً ومترابطاً ومحافظاً على دينه من أي محاولةٍ لحرفه عن الطريق ، الأمر الذي أدى بدوره إلى إضعاف العديد من المجتمعات الإسلامية ومن ضمنها البحرين .وإن من يدرس علم السياسة يعلم يقيناً بأن التحكم و الإدارة في المجتمعات و الشعوب لا تقوم إلا عن طريق أمرين :السياسة و الاقتصاد ، ولنأخذ ما سبق تقريره ونطبقه على واقعنا البحريني ، فالملاحظ للمشهد الواقعي بالبحرين يرى أن الطائفة السنية تعاني من ضعفٍ كبير فهي لا تقدر على المواجهة وممارسة عملها السياسي من خلال المساءلة والاستجواب والرقابة على الأداء الحكومي على الأقل في البرلمان التي أعطيت فيها الصلاحيات لها – ويحول دون استعمالها حوائل عديدة - ، وأي عمل من هذا النوع لا ترتضيه الحكومة فإنه يتم لي ذراع الطائفة به من خلال تحذيرهم من ممارسة الضغوطات الأخرى عليهم من خلال منعهم من مصادر تمويلهم التي تحتجزها إدارة الأوقاف السنية أو تقوم بالتضييق عليهم في جانب الزكوات والصدقات والتبرعات أو في ممارسة عملها الدعوي من خلال مؤسساتها الدعوية - وإن كانت الحكومة تسمح بشيءٍ من ذلك ولكن برضاها وفي بعض الأحيان - في مقابل قوة الخطاب السياسي لدى الطائفة الشيعية التي لا تستطيع الحكومة ممارسة أي ضغطٍ عليها بل هي من تقوم بالضغط على الحكومة لتحقيق مصالح فئوية وطائفية لها ؛ وذلك أنها تمتلك المقومات السياسية والاقتصادية ولا تحتاج أبداً إلى الدولة في شيء فهي تتحكم ( بالخمس ) الذي يؤخذ من أبناء الطائفة وتتحكم بإدارة الأوقاف وهي من تُشرف على دور العبادة وتقويها وتعتني بها وتزيد من أعدادها سنوياً في مقابل محاولة إضعاف دور العبادة للطائفة السنية وإهمالها وعدم الاعتناء بها وعدم محاولة زيادتها فضلاً عن محاولة منع خطباء الطائفة السنية من التطرق للقضايا التي تمس الشأن السياسي العام للمجتمع وأي محاولة لانتقاد الأداء الحكومي من خلال المنبر فإنه يتم تحذير الخطيب من ذلك ولربما تم إيقافه .ومن هنا يتبين لنا أن الطائفة السنية في البحرين ليست ضعيفة بل تملك كل مقومات قوتها وإنما تم إضعافها من قبل بعض من ليس في صالحهم أن تكون الطائفة السنية قوية لا في اكتفائها الذاتي ولا في تحصيلها العلمي ولا في وعيها السياسي ، وهذا ما يؤدي إلى اختلال التوازن في المجتمع البحريني ، وهذا التوازن اليوم لا بد من إعادته إلى نصابه ولا بد من أن تعود الطائفة السنية إلى قوتها المعهودة سابقاً ، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا حينما تطالب الطائفة السنية بحقوقها .
جريدة الوطن البحرينية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق