أعيد فأكرّر ماكتبته هنا في عمودي المتواضع قبل حوالي أربعة أشهر من الآن ، وهو " أنني أخشى أن أقول أن هنالك جهة أو جهات ما ، فضّلت أن تبقى خارج نطاق التغييرات الكبرى التي أحدثها الربيع العربي في الوعي الجمعى لدى عموم الشعوب العربية . وأن تلك الجهة أو الجهات ما ، رأت أن تستمر في إدارة أمور النشر أو عدم النشر وفقاً للأجواء التي كانت عليها البحرين قبل 14 فبراير من العام الماضي دونما اعتبار إلى أن الأحداث التي أعقبت ذاك التاريخ ( 14 فبراير من العام الماضي ) قد قلبت تلك الأجواء رأساً على عقب وأنهت لدى الناس حالة اللامبالاة أو (الغثيان ) الإعلامي التي يفضل البعض عدم مغادرتها " . وكنت أعني آنذاك هو حادثة امتناع غالب صحفنا المحلية عن نشر بيان العلماء والمشايخ الذي استنكروا فيه مخالفات وتجاوزات مايسمى مهرجان ربيع الثقافة . وكانت حادثة عدم النشر تمثل آنذاك انتهاكاً لمبدأ الالتزام الأخلاقي والأدبي في عرض الرأي والرأي الآخر مما يُعرف أو يُعرّف في فضاء الاتصالات الواسع الآن بـ ( حرية التعبير ) . وكنت أعتقد أن تلك الحادثة شكّلت سقطة مهنية وأخلاقية ومجتمعية غير محسوبة بالإضافة إلى كونها إهانة لشخصيات عامة يُفترض أن لها منزلتها العلمية ومكانتها المجتمعية التي يصعب المساس بها على هذا النحو ، أقصد امتناع شبه جماعي لصحافتنا المحلية عن نشر رأيهم الشرعي في موضوع ما .
غير أن الأمر ذاته ، قد عاد وتكرّر مرة أخرى في بداية هذا الأسبوع ، بالضبط يوم السبت الماضي 18 أغسطس 2012 حينما امتنعت جميع الصحف المحلية – ماعدا أخبار الخليج – عن نشر بيان وقّع عليه مايقارب الـ (70) شخصية ذات مكانة اجتماعية وعلمية مرموقة ، هم من خيرة قضاتنا وعلمائنا وأساتذة جامعتنا وخطباء منابرنا وأئمة مساجدنا يستنكرون مشروع بناء الكنيسة المركزية ويعرضون الرأي الشرعي ويطالبون بالتراجع عن بنائها .
صحيح أن حالة التعتيم ومنع النشر في عصر الـ ( ميديا ) تُصنف في خانة المحاولة أو العمل الفاشل الذي لايصلح الآن الاستمرار في ممارسته ، سواء إزاء هذا البيان أو ما شابهه من معلومات وأخبار لم يعد فضاء الاتصالات ووسائل وأدوات التواصل يحتمل إخفاؤها وتغييبها لكنّ ذلك لا يمنعنا من التنبيه – إبراء للذمّة – أن للعلماء والمشايخ هيبة ليس من الصحيح التهاون في إسقاطها أو إضعافها في وقت نحن في أمسّ الحاجة لإعادتهم إلى مقدّمة الصفوف وردّ الاعتبار إلى مكانتهم وتوجيهاتهم بعدما نخرت الأيام والأحداث انحرافات وتجاوزات في مجتمعنا لم يعد من الممكن أن يبقى هؤلاء العلماء – الذين قال عنهم المصطفى صلى الله عليه وسلّم ” العلماء ورثة الأنبياء ” – خارج دائرة الفعل والتأثير في معالجتها فضلاً عن إهمالهم وتهميشهم والتوافق على عدم نشر آرائهم وبياناتهم !! حتى أكون واضحاً فإن العلماء والمشايخ الذين أعنيهم هنا هم من أهل السنّة والجماعة لأن علماء الشيعة ومشايخهم كلنا يعرف مقدار هيبتهم ومكانتهم في الدولة وعند أتباعهم ويصعب المساس بمنابرهم أو وقف خطبائهم أو قطع مرتبات أئمتهم ومؤذنيهم أو حتى مكبرات صوتهم ، على عكس – كما تعرفون – ما يحصل لمشايخنا وخطبائنا وأئمة مساجدنا . حتى أنه لاوجه للمقارنة بين قوّة ونشاط المجلسين ، أعني المجلس العلمائي والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية .
على أن الهيبة والاحترام أمران لايأتيان فقط بالطلب والتكلّف بقدر ماهي أمور يجري اكتسابها وانتزاعها من خلال الممارسة والمواقف الثابتة والقوية وأحسب أن هؤلاء العلماء والمشايخ لم يتم التجرأ على منع نشر بيانهم ورأيهم إلاّ نتيجة لضعف في مواقفهم أو رضاهم بطريقة التعامل معهم أو على الأقل لسكوتهم في المرّة – وربما في المرّات – السابقة على تغييب آرائهم وحجبها عن النشر ، وبالتالي عليهم أن يمسكوا زمام مبادرة إعادة الهيبة إلى شخصياتهم حتى لايجري التعرّض والمساس بهم انطلاقاً من قول الشاعر المتنبي :
من يهن يسهل الهوان عليه مالجرح بميّت ايلام
سانحة :
- قصّة الهيبة في البلد مأساة ؛ يجري إسقاطها عن كل شيء دون مبالاة ، مؤسسات الدولة وسيادتها ورموزها وقوانينها ورجال أمنها وحالياً علماؤها ومشايخها و … إلخ علماً بأن الهيبة من القيم الغالية والنفيسة التي ترخص كثيراً أو تفقد ثمنها بعد بيعها أو التنازل عنها أو التهاون في حفظها .
- شكر واجب لرئيس تحرير صحيفة أخبار الخليج والقائمين عليها لانفرادهم بنشر بيان العلماء والمشايخ توقيراً واحتراماً لمكانتهم وقبل ذلك التزاماً من الجريدة بمبادئها المهنية والصحفية في احترام الرأي والرأي الآخر مع التأكيد أن رأي علماء الشريعة ليس مجرّد رأي آخر كبقية الآراء ، إنما هو رأي نجلّه ونقـدّره ونثمّنه ، بل نرفع من شأنه ونقدّمه على الآراء الأخرى .
المصدر : صحيفة أخبار الخليج العدد : ١٢٥٧٠ - الأربعاء ٢٢ أغسطس ٢٠١٢ م، الموافق ٤ شوال ١٤٣٣ هـ
karabük
ردحذفsiirt
niğde
düzce
karaman
J2Y