في العقود الماضية دخل
الفكر العلماني المجتمعات العربية و انتشرت التيارات و المؤسسات الحاملة لهذا
الفكر ، وبات الفكر العلماني منهجاً وفكراً مألوفاً لدى البعض وبخاصة أصحاب
المناصب القيادية، و الغريب في الأمر أن هذا الفكر قد غزى بعض المؤسسات الدينية ! وأصبحت
تتبنى هذا الفكر بشكل مباشر أو غير مباشر ! فبالأمس كنا نشكو الفساد المالي و الإداري
و اليوم نعاني من الفساد الفكري و العقدي في عقر بعض مؤسساتنا الدينية حيث ابتعد
الخطاب الديني عن السياسة في بعض المنابر الخطابية وفُصل الدين عن السياسة بناءً
على الفكر العلماني والليبرالي القاضي بفصل الدين عن السياسة والذي كان يحاربه كثير
من الخطباء منذ زمنٍ بعيد وبات هذا الفكر يتسلل إليهم وهم لا يشعرون عن طريق بعض
المؤسسات الدينية التي يتبعونها أو هم موظفون بها !
تتفنن بعض مؤسساتنا الدينية بممارسة العلمانية
بشكل قسري مع الخطباء والدعاة التابعين لها ، فتصور عزيزي القارئ بأن بعض المؤسسات
المختصة بالشؤون الدينية في بلادنا تمنع بعض الخطباء من التحدث في الشؤون السياسية
المحلية و الدولية ! وقامت بفصل الدين عن
السياسة بمثل هذا التصرف وإن كانت لا تصرح به علناً خشية الانتقاد ، و نسوا أو
تناسوا السياسة الشرعية التي كانت في العهد الزاهر محور أداء الخلافة الإسلامية
ومن خلالها وبناءً عليها كانت تصدر التوجيهات والإرشادات للأمة الإسلامية ! واليوم أصبح من شروط تعيين الخطباء في بعض
المؤسسات الدينية في بلداننا أن لا يتكلم في السياسة ، و الويل ثم الويل لمن يخالف
هذا الأمر مهما كانت منزلة هذا الخطيب العلمية ومهما كان منصبه الوظيفي و مهما
كانت منزلته الاجتماعية ! ومن يخالف هذا الشرط منهم يتم توقيفه مباشرة دون تحقيق
ولا إنذار وفي بعض الدول يكون مصيره الاعتقال !
ويُستثنى من هذا الشرط لدى هذه المؤسسات حالة
واحدة فقط لا غير والتي تنص على أنه :يسمح للخطباء و الدعاة بالتحدث في السياسة
إذا كان الموضوع يتماشى مع سياسة الإدارة أو مصالح الدولة ! والعجيب في الأمر كله
عزيزي القارئ أن هذه المؤسسات تعلم بطرح خطبائها من على المنابر ! وإن أردت معرفة
السبب فالسبب هو إما أشرطة التسجيل التي توضع لتسجيل خطب الخطباء أو الجواسيس
الذين تقوم بتعيينهم تلك المؤسسات لمتابعة خطبائها ! حتى بات خطباؤنا يخشون من هذه
المؤسسات ويشكون من اضطهادها لهم مما أدى إلى ضعف المستوى الخطابي بدولنا عموماً ،
الأمر الذي أدى بدوره إلى نُفرة بعض الناس عن المساجد ، وهذا أمر غير مقبول البتة
ولا يُرضي الخالق جل وعلا ونقول للخطباء ما قاله رب العزة والجلال لنبيه صلى لله
عليه وسلم : { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ
بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ، أَفَحُكْمَ
الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ
يُوقِنُونَ } .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق